لا تهاجم، يقول الامريكيون لرئيس الحكومة الاسرائيلية بنيامين نتنياهو. دعنا نجرب أولا العقوبات على ايران. ولا تهاجم، يقول محمود احمدي نجاد لنتنياهو. اذا جننت وخرجت للحرب فستأتي نهاية 'النظام الصهيوني'. >>>>
نجح نتنياهو في اقناع العالم، بأن اسرائيل توشك ان تخرج في حرب لردع ايران ومحاولة وقف برنامجها الذري، فخطبه عن الكارثة الثانية وعمليق، والتعجيل بالاستعدادات العسكرية، وتدريبات الجبهة الداخلية وتوزيع أقنعة الغاز، بل حشد بنك اسرائيل للدولارات كل ذلك يشهد على ان اسرائيل تستعد لمهاجمة ايران، كما قصفت في الماضي المفاعلين الذريين في العراق وسورية.
تمنح الاستعدادات للحرب اسرائيل أهمية دولية لم يسبق لها مثيل. فرئيس الولايات المتحدة باراك اوباما، الذي ابتعد في بدء ولايته، يطيّر الى هنا الان قطارا جويا من مسؤولي الادارة الكبار الذين يطلبون الى نتنياهو ضبط نفسه. عندما أراد أوباما معالجة المشكلة الفلسطينية اكتفى بمتقاعد لا سلطة له هو جورج ميتشل. يتبين ان التهديد الاسرائيلي باشعال حرب اقليمية يشغل الادارة اكثر من الاحتلال والمستوطنات في الضفة. وليس الساسة وحدهم قلقين: فممثلو شركات الاستثمار العالمية عندهم فضول ان يعلموا 'متى ستهاجمون' كأساس للمقامرة على أسعار النفط. يتبين أن أهمية اسرائيل الاقتصادية كامنة في قدرتها على صنع أزمات، لا في التقنية العليا، ولا في المشاريع الانشائية وأكياس البمبما التي يتمدح الاسرائيليون بها. سيزعم نتنياهو بيقين، ان موقفه المصمم هو الذي أقنع أوباما بعرض خط أشد صرامة ازاء ايران.
لكن توجد مخاطرة في توجه رئيس الحكومة الاسرئيلية هي ماذا سيحدث اذا فشلت الدبلوماسية والعقوبات كما هو متوقع، واستمر أحمدي نجاد على رحلته الى الذرة؟ هل سيستطيع نتنياهو آنذاك أن يرجع عن تصريحاته الحماسية وأن يعلن بأن التهديد الايراني ليس فظيعا جدا، أم أنه قد أحرق طريقه الى الرجوع وسيضطر الى الخروج للحرب؟
يلعب نتنياهو لعبة البوكر ويخفي ورقة لعبه المهمة وهي ما هي قدرة الجيش الاسرائيلي الحقيقية على تدمير المنشآت الذرية في ايران. اذا أظهر ورقته وهاجم فانه يعرض نفسه لخطر حرب استنزاف تصاب بها تل ابيب بالصواريخ ويغلق مطار بن غوريون وكلما استمر العنف، ستترك الشركات الدولية اسرائيل، وسيهرب ذوو المواهب والثروات من البلاد.
يرى نتنياهو نفس الخطر، لكن على العكس. فهو يعتقد انه اذا توصلت ايران للقدرة الذرية، فان النخب وصناعات التقنية العليا ستغادر وسيخرب الاقتصاد ولهذا يجب منع القنبلة الايرانية.
يلعب احمدي نجاد لعبة البوكر ايضا، وقد زاد المقامرة في الاسابيع الاخيرة عندما عرض القضاء على النظام الصهيوني لا كطموح ديني وعقائدي بل كهدف عملي. رد عليه وزير الدفاع ايهود باراك الذي يعمل في واقع الامر مستشار نتنياهو الأعلى للامن القومي بإعلان ان 'ساعة انهيار النظام الايراني تتكتك'.
تقامر اسرائيل وايران على ان واحدة منهما فقط ستتجاوز المواجهة. أهذا تهديد جدي؟ يدل التاريخ على أن نعم. ففي حربي الايام الستة والاستنزاف هزمت اسرائيل الناصرية التي دعت مثل احمدي نجاد اليوم الى محوها عن خريطة الشرق الاوسط. كان الثمن باهظا وكلف اسرائيل ايضا حرب يوم الغفران، لكن العرب اقتنعوا بأن الدولة اليهودية ليست ظاهرة عابرة.
يمسك اللاعب الثالث، اوباما، بأضعف أوراق اللعب. بسبب ضعفه السياسي في الداخل ولأنه لا يستطيع أن يهدد أحمدي نجاد او نتنياهو بجدية. لا يريد أوباما ان يهاجم ايران بنفسه، وسيصعب عليه أن يكف جماح اسرائيل في لحظة الحسم.
فماذا سيفعل؟ هل سيطفئ رادار الانذار الامريكي في النقب ويعلن بأنه لا يوجد قطار جوي ولا تأييد سياسي، وأن تحرق تل أبيب من جهته لان اسرائيل عملت خلافا لنصيحته؟ يصعب اعتقاد ان يترك اوباما اسرائيل لمصيرها. يستطيع فقط أن يستشيط غضبا وأن يلمح الى نتنياهو أن التأييد الامريكي غير مضمون لأي عملية اسرائيلية، الى أن تنشب الحرب، اذا نشبت، لن يكشف عن أوراق اللعب الحقيقية للزعماء.
لكن المقامرات في هذه الاثناء ستظل في ازدياد في توقع ان يعترف احد اللاعبين بضعفه ويقوم عن المائدة.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق