الجمعة، 12 أبريل 2013

د. مصطفى محمود . . من كتاب / رأيـــت اللــــــــه


الكثير منا يذكر قصة الأسد الذي اغتال مدربه ( محمد الحلو ) و قتله غدراً في أحد عروض السيرك بالقاهرة..
و ما نشرته الجرائد بعد ذلك من انتحار الأسد في قفصه بحديقة
الحيوان واضِعاً نهاية عجيبة لفاجعة مثيرة من فواجع هذا الزمن ..

و القصة بدأت أمام جمهور غفير من المشاهدين في السيرك حينما استدار محمد الحلو ليتلقى تصفيق النظارة بعد نمرة ناجحة مع الأسد " سلطان " ..


و في لحظة خاطفة قفز الأسد على كتفه من الخلف

و أنشب مخالبه و أسنانه في ظهره !! ..
و سقط المدرّب على الأرض ينزف دماً و من فوقه الأسد الهائج ..
و اندفع الجمهور و الحُرّاس يحملون الكراسي و هجم ابن الحلو على الأسد بقضيب من حديد و تمكن أن يخلص أباه بعد فوات الأوان ..
و مات الأب في المستشفى بعد ذلك بأيام ...

أما الأسد سلطان فقد انطوى على نفسه في حالة اكتئاب و رفض الطعام

و قرر مدير السيرك نقله إلى حديقة الحيوان باعتباره أسداً شرساً لا يصلح للتدريب ..
و في حديقة الحيوان استمر سلطان على إضرابه عن الطعام، فقدموا له أنثى لتسري عنه فضربها في قسوة و طردها و عاود انطواءه و عزلته و اكتئابه ..

و أخيراً انتابته حالة جنون ، فراح يعضّ جسده و هَوَى على ذيله بأسنانه فقصمه نصفين !!! ..

ثم راح يعضّ ذراعه ، الذراع نفسها التي اغتال بها مدرّبه ..
و راح يأكل منها في وحشيّة ، و ظل يأكل من لحمها حتى نزف و مات واضعاً بذلك خاتمة لقصة ندم من نوع فريد ..

ندَم حيوان أعجم و مَلِك نبيل من ملوك الغاب ..

عرف معنى* الـوفـــاء * و أصاب منه حظاً لا يصيبه الآدميون !!

أسدٌ قاتل أكل يديه الآثمتين ..

درسٌ بليغ يعطيه حيوان للمسوخ البشرية التي تأكل شعوباً .. و تقتل ملايين في برود على الموائد الدبلوماسية و هي تقرع الكؤوس و تتبادل الأنخاب. ثم تتخاصر في ضوء الأباجورات الحالمة و ترقص على همس الموسيقى و ترشف القبلات في سعادة و كأنه لا شيء حدث !!

إنّي أنحني احتراماً لهذا الأسد الإنسان ..

بل إني لأظلمه و أسبّه حين أصفه بالإنسانية .. !!

كانت آخر كلمة قالها ( الحلو ) و هو يموت ..أوصيكو ما حدش يقتل سلطان .. وصية أمانة ما حدش يقتله .


هل سمع الأسد كلمة مدربه ؟ ..

و هل فهمها ؟
يبدو أننا لا نفهم الحيوان و لا نعلم عنه شيئاً .

ألا يدلّ سلوك ذلك الأسد الذي انتحر على أننا أمام نفس راقية تفهم و تشعر و تحس .. ؟!

و تؤمن بالجزاء و العقاب و المسؤولية ؟؟ !! ..
نفس لها ضمير
يتألّم للظلم و الجور و العدوان ؟؟!!

د. مصطفى محمود . .

من كتاب / رأيـــت اللــــــــه

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق