![]() | |
![]() |
![]() ![]() | |
![]() |
اليوم أصبح الدعاة هم من يتصدرون النشرات الرسمية من خلال أغرب فتوى يمكن أن تكون الأبرز في نشرات الاخبار ومواقع الإنترنت (هدم الحرم) و(إرضاع الكبير) و (إباحة جميع أنواع الغناء) وغيرها كثير، ولأننا بدأنا نعجز عن تتبع هذه الفتاوى الطائرة التي يصعب على أي شخص أن يقف عند واحدة منها حتى تعصف به أخرى، فقد كنت أحاول أن أكتب عن هذا الموضوع لكن السرعة في الإيقاع لنجوم الفتاوى لا تعطيك مجالا! فالناس لا تدرك الكم الكبير الموجود في كتب الفقه لمسائل شائكة؟ لكنها أيضا متعطشة لأي فتوى جديدة على مسامعها، ولو أراد أي داعية متمكن من إثارة الرأي العام بفتوى تسقط النجوم الحاليين لها لكان ذلك في يوم وليلة من خلال جولة سريعة على كتب الفقه في أبواب البيوع أو العقود والأنكحة أو الأطعمة والأشربة أو .... غيرها كثير، كل ما هنالك أن طريق النجومية في الفتوى ليست صعبة المنال كما هي حال النجومية في كل شيء، هي أن تأتي بالعجيب والغريب وغير المعتاد لتكون الصدر في كل شيء!!
ومما لا شك فيه أن الفتوى أحد المؤشرات الأساسية في التغيرات والإشكالات الطارئة على المجتمعات المسلمة، ومن خلالها يمكن قياس الرأي العام تجاه المستجدات الحضارية من الناحية الشرعية، ونتيجة ارتباط الفتوى بالمفتي من حيث الخلفية الشرعية والذهنية وأهمية الارتباط الزماني والمكاني للفتوى ومعرفة حال المستفتي بالإضافة إلى معرفة أصول الفقه التي أسس لها الإمام الشافعي 820 م 204هـ هذا الارتباط أضاف للفتوى مزيداً من الانضباط في وقته ولكون الفتوى محركاً أساسياً لدى المسلمين في السلم والحرب والحياة والموت والأسرة والميراث فقد كانت تحظى بنوع من التجديد المستمر نتيجة التغيرات الطارئة على المجتمعات، وكانت هناك مجالس الفتوى التي يجلس فيها المستفتي ليشرح واقعتها على المفتي الذي يقدر هذه الواقعة بحالها وزمانها ومكانها ومن ثم يصدر الفتوى المناسبة. أما ما يقع اليوم من برامج الفتيا العامة على الفضائيات والتي يُستفتى فيها بحالات فردية فلا ينبغي أن تُشهر على العامة وإن كانت الفتوى فيها بالجواز لما تحدثه من اضطراب في فهم النصوص التي يظن العامي البسيط أنها تعارض وتصادم كنُشرة المعروفة في الفقه والافتاء فيها هو إفتاء في حالة عين تنطبق على شخص دون آخر. ومن هذا المنطلق كان لدى المسلمين عدة مذاهب بقي منها المذاهب الأربعة الشهيرة الحنفية والمالكية والشافعية والحنبلية وبقيت هذه المذاهب الأربعة في حياة أصحابها، كانت خاضعة للتغيرات وفق سياقها الزماني والمكاني، ولا أدل من وجود رأيين في بعض المسائل للإمام ذاته. إلا أن ما نراه اليوم لا يمكن تصنيفه في خانة الاجتهاد وإنما في خانة النبش في الآراء الفقهية والتقليد لها وليس رأي إرضاع الكبير أو النُشرة أو الغناء وتحريم الاختلاط والتأمين أو غيرها مما سيأتي في قادم الأيام إلا تقليدا يرسخ العجز الفقهي والعقم الاجتهادي لدى علمائنا، لأنه كان بالإمكان الاستفادة من هذه الآراء وتنزيلها على واقع الحال للخروج برؤية جديدة وليست استنساخ رأي فقهي من بطون الكتب ونشره بين العامة، لأن الفتوى اليوم طرأت عليها متغيرات كبيرة، لعل من أهمها الانتشار الفضائي والشبكة العنكبوتية التي تعد من أكبر الإشكالات التي تعصف بالفتوى. ولعل من أكبر أسباب هذا الانفلات في الفتوى الجمود الذي صاحب المؤسسة المعنية وهي الرئاسة العامة للافتاء والتي لم تسع إلى النزول إلى حاجة الناس للفتوى وتحاول تغطية الحاجة الملحة لقضايا معاصرة، إذ إنها لا تزال تنظر إلى الواقع من بعيد ولم تدخل في السياق بشكلها الرسمي مع أنها الجهة المعنية الأولى، ولأن هناك ملامح في بعض الفتاوى تتعلق بأمور تنظيمية للمجتمع مثل تأخير صلاة العصر وهي فتوى ليس فيها أي جديد في ذاتها بل ربما يكون فيها تسهيل على الناس، لكن الجديد في تطبيقها بعيدا عن الجهة المعنية بتنظيم المساجد وهي وزارة الشؤون الإسلامية. المشكلة ليست في الفتاوى لكن في حجم الفوضى الذي يمكن أن تحدثه بعض هذه الفتاوى. نقلا عن (الوطن) السعودية |


ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق