الخميس، 1 يوليو 2010

في الذكري الثالثة‏..‏ قطار المصالحة والتحول إلي إدارة الانقسام الفلسطيني




في الذكري الثالثة‏..‏ قطار المصالحة والتحول إلي إدارة الانقسام الفلسطيني
كتب : محمد جمعة


ثلاثة أعوام كاملة مرت علي الانقسام الفلسطيني‏,‏ منذ وقوعه في يونيو‏2007,‏ فشلت خلالها تسع وساطات فلسطينية وعربية وإقليمية في إنهاء ذلك الانقسام أو الحد من تداعياته السلبية علي الشعب الفلسطيني وقضيته العادلة‏.

‏ وثمة مؤشرات علي أن قوة الدفع التي حظيت بها جهود المصالحة نتيجة أحداث‏'‏ أسطول الحرية‏',‏ لن تنجح هي الأخري في وضع حد لهذا الانقسام‏,‏ بل ثمة ما يؤكد بالمقابل أن العلاقة بين‏'‏ فتح‏'‏ و‏'‏حماس‏'‏ ومن ثم بين الضفة وغزة‏,‏ تبدو في الذكري الثالثة للانقسام وكأنها تتهيأ للدخول في مرحلة جديدة آخذة في التشكل‏,‏ حيث بدأت الارهاصات الدالة علي ذلك قبل عدة أشهرعلي خلفية الملابسات والترتيبات التي أحاطت بزيارة‏'‏ نبيل شعث‏'‏ مفوض العلاقات الخارجية في حركة فتح إلي قطاع غزة‏,‏ ومن قبله رجل الأعمال الفلسطيني‏'‏ منيب المصري‏'‏ في فبراير‏2010.‏

بدا المشهد الفلسطيني الداخلي منذ تلك الزيارة وكأنه يتدحرج‏:‏ من حديث عن المصالحة وإنهاء الانقسام‏,‏ إلي محاولات تجري‏'‏ للتوافق علي إدارة هذا الانقسام‏'‏ وليس إنهاؤه‏,‏ وصولا إلي مجرد الشروع في‏'‏ تطبيع‏'‏ العلاقات بين غزة والضفة‏,‏ ومن ثم التكيف مع واقع الانقسام ومحاولة ترويضه‏.‏
من إنهاء الانقسام إلي‏'‏ التوافق علي إدارته
كان الحراك الداخلي علي صعيد المصالحة يستهدف إنهاء الانقسام ومن ثم تشكيل حكومة وحدة وطنية أو‏'‏ حكومة توافق وطني‏',‏ هذا ما شهدناه خلال جولات الحوار التي بدأت جلساتها التمهيدية منذ يوليو‏2008,‏ وكان من المتصور أن تفضي في النهاية إلي التوقيع علي ورقة المصالحة التي أعدتها مصر بعد التشاور مع الفصائل‏,‏ بيد أن عدم حضور وفد‏'‏ حماس‏'‏ في نوفمبر‏2008‏ للتوقيع علي تلك الورقة‏,‏ بذريعة عدم توافر المناخ المناسب لإنهاء الانقسام‏,‏ حال دون الوصول إلي ذلك الهدف‏.‏
وبعد الحرب علي غزة‏(‏ ديسمبر‏2008‏ ـ يناير‏2009)‏ توافرت للحوار قوة دفع جديدة‏,‏ فلسطينيا وعربيا ودوليا‏,‏ وهو ما أسهم في تجاوز‏'‏ عقدة بدء الحوار‏',‏ ومن ثم التأمت جلسات الحوار في القاهرة بعد تشكيل اللجان الست التي تجمع كل قضايا البيت الفلسطيني الداخلي‏,‏ وهي‏:‏ المصالحة والحكومة والانتخابات والأجهزة الأمنية ومنظمة التحرير‏.‏
كانت التوقعات كلها تشير آنذاك إلي أن الحوار لن يفضي في النهاية إلي نتائج ذات طبيعة استراتيجية تغير من الواقع الفلسطيني الراهن‏,‏ إلي واقع جديد يعكس ويترجم الشراكة السياسية بمعناها المفهوم‏.‏ لأن الحسابات الموضوعية والمعطيات الواقعية للمشهد الفلسطيني ببعديه الداخلي والخارجي آنذاك‏(‏ وحتي الآن‏)‏ كانت تشير إلي صعوبة حدوث اختراقات جوهرية في الملفات المطروحة‏,‏ أو معالجات حاسمة لكافة القضايا من خلال بسط حلول كاملة لها‏,‏ إذ إن ثقل وخطورة بعض الملفات‏,‏ لاسيما ملفي منظمة التحرير والأجهزة الأمنية‏,‏ اللذين تتنازعهما رؤيتان متناقضتان لكل من‏'‏ فتح‏'‏ و‏'‏حماس‏',‏ وتتداخل فيهما مصالح وتدخلات إقليمية ودولية‏,‏ لم تترك أي هامش حقيقي للتفاؤل بشأن إنجاز جوهري علي صعيد الشراكة والمصالحة‏.‏ وما توقعه الجميع آنذاك من نتائج لم يكن يتعدي تشكيل حكومة توافق وطني‏,‏ وتهدئة ميدانية متبادلة بين حركتي فتح وحماس‏,‏ فيما ستبقي التفاهمات الخاصة بمنظمة التحرير والأجهزة الأمنية غير قادرة علي تجاوز تطبيقات محدودة للبنود والآليات الأولي علي أفضل تقدير‏.‏
وكانت حكومة التوافق الوطني المأمولة بمثابة نقطة التقاء مصالح جميع الأطراف‏,‏ وحلا ظرفيا لمأزق الانقسام الداخلي‏,‏ حتي وإن بدا أنها لن تنهي هذا الانقسام عمليا‏,‏ كونها كانت ستباشر مهامها وفق آليات التوافق الوطني‏,‏ ومن ثم لم تكن لتجرؤ علي فتح ملف الأجهزة الأمنية في الضفة‏,‏ وهو ما سيؤدي بالتبعية إلي طي صفحة إصلاحها أيضا في غزة‏.‏
في النهاية‏,‏ حال الفيتو الإسرائيلي ـ الأمريكي دون تشكيل تلك الحكومة‏,‏ فضلا عن أن منظومات المصالح المتضاربة المتشكلة في الضفة وغزة‏,‏ ووجود قوي وشخصيات نافذة لا مصلحة لها في تشكيل حكومة التوافق‏,‏ شكلت هي الأخري عوامل ذاتية حالت دون ظهورها إلي النور‏,‏ وعندما تبين للراعي المصري أن فرص تجسير الفجوة بين المواقف والبرامج المتناقضة تبدو ضعيفة للغاية‏,‏ كان اقتراح القاهرة بتشكيل لجنة عليا تتولي مهمة التنسيق بين الضفة وغزة‏,‏ فتتم من خلالها كل الإجراءات التي تمهد الطريق لإجراء الانتخابات‏,‏ ومن خلالها أيضا يتسني للجميع مباشرة عملية إعادة الإعمار في غزة‏.‏
عكس هذا الاقتراح محاولة القاهرة الخروج من المأزق الراهن في الحوار بترحيل حسم الخيارات الأعقد إلي ما بعد الانتخابات الفلسطينية القادمة‏,‏ والخروج من دوامة الحوارات ذات الطابع الاستراتيجي‏,‏ التي تجلب إلي طاولة الحوار خلافات لا تحل إلا بتغير معادلات وتوازنات القوي داخل الساحة الفلسطينية‏,‏ بطرح خيارات تكتيكية تسمح بسير الفرقاء جنبا إلي جنب حتي الوصول إلي مرحلة يحسم فيها الشعب الفلسطيني توازن القوي عبر الانتخابات لا عبر حوارات بين الفصائل‏.‏
وأيا ما كان الأمر‏,‏ فالثابت أن أهداف الحراك الفلسطيني الداخلي بشأن المصالحة قد‏'‏ تقزمت‏'‏ منذ تلك اللحظة‏,‏ ولم يعد يستهدف تحقيق المصالحة التي ترتقي إلي مستوي الشراكة السياسية الحقيقية‏,‏ وإنما باتت أهدافه تتمحور حول‏'‏ التوافق علي إدارة هذا الانقسام‏'‏ وليس إنهاؤه‏.‏ فتشكيل الحكومة يمثل صيغة متقدمة لهذا التوافق‏,‏ وعدم تشكيلها ومن ثم الاستعاضة عنها باللجنة المشتركة‏,‏ يمثل الصيغة الأدني لهذا التوافق علي إدارة الانقسام‏.‏
لم يتوقف الأمر عند تدهور هذا المستوي بل ذهب الي أشواط أبعد‏,‏ حيث رفضت حركة حماس التوقيع علي النسخة المصرية النهائية لورقة المصالحة‏,‏ وتم تعليق عملية المصالحة بعد إصرار حركة حماس علي رفض التوقيع‏,‏ في ذات الوقت الذي رفض فيه المسئولون المصريون إعادة النظر في نص الورقة مرة أخري‏,‏ لاسيما بعد توقيع حركة فتح عليها‏.‏
وقد استمر الحال علي هذا المنوال إلي أن جاءت زيارة نبيل شعث إلي غزة لتلقي حجرا في بركة المصالحة الراكدة‏,‏ ولتبدأ معها إرهاصات المرحلة الجديدة التي نحن علي أبوابها في هذه الآونة‏.‏
من التوافق علي‏'‏ إدارة الانقسام‏'‏ إلي‏'‏ تطبيع العلاقات‏'‏
برغم الايجابية التي يمكن النظر بها لزيارة‏'‏ نبيل شعث‏'‏ إلي غزة إلا أن هذه الزيارة انطوت علي دلالات ذات مغزي أهمها‏:‏ انه برغم حرص‏'‏ شعث‏'‏ علي تأكيد أن الزيارة غير رسمية‏'‏ لأن غزة ليست كيانا مستقلا‏',‏ إلا أنها بدت وكأنها زيارة مسئول من كيان مختلف‏,‏ لكيان آخر‏,‏ ولم يكن استقبال أحد مسئولي حركة حماس للزعيم الفتحاوي عند معبر بيت حانون‏,‏ ثم زيارته في محل إقامته‏,‏ ثم استقباله بعد ذلك في مقر إسماعيل هنية‏,‏ إلا تأكيدا لهذا المعني‏,‏ وهنا مكمن الخطر‏,‏ خاصة أن الواقع علي الأرض يشهد علي استمرار ممارسات ومفاعيل وعقلية لا تنتمي إلي عالم المصالحة بقدر انتمائها لواقع الانقسام القائم‏,‏ والذي يتعمق يوما بعد الآخر‏.‏ وأن كل طرف من قطبي الساحة الفلسطينية يسير في الواقع باتجاه ترتيب أوضاعه داخل حدود سيطرته‏,‏ دون المغامرة بمحاولة تبديد‏'‏ رأسماله‏'‏ أو ما بين يديه‏,‏ في انتظار ما ستسفر عنه المصالحة‏.‏
ومن ناحية اخري فقد تركزت زيارة شعث علي البحث في مجموعة من الإجراءات التي من شأنها أن‏'‏ تطبع‏'‏ العلاقة بينهما‏,‏ مثل التوافق علي تشكيل لجنة مشتركة للبحث في القضايا الميدانية‏,‏ وهي بهذا المعني ستكون جهة وصل حركة فتح بسلطة حماس في غزة‏,‏ بمعني مكتب ارتباط ينسق شئون ومشاكل‏'‏ فتح‏'‏ في قطاع غزة مع القوة الحاكمة فيه‏.‏
والحاصل أن هذا الأمرقد لايبقي محصورا علي الجانب الأمني التنظيمي‏,‏ وربما ستشهد الساحة الفلسطينية تعزيزا له في المستقبل‏,‏ ليشمل القطاعات الخدماتية‏,‏ مثل تشكيل بعض اللجان علي مستوي القطاع الصحي أو للحج والعمرة‏,‏ ونفس الأمر قد ينسحب علي المعابر أيضا‏..‏ الخ‏.‏ أي أن ما يحدث هو عملية تأسيس للوضع القائم‏,‏ والمحصلة النهائية أن كل ما يحدث من حراك فلسطيني بشأن المصالحة يومئ بطرف خفي إلي محاولات تكيف للتعايش مع الواقع‏,‏ لأن الفلسطينيين غير قادرين علي تغييره‏,‏ أو أن هذا التغيير يتطلب منهم ما هو فوق رغبة الف   الفصائل أوطاقتها‏.‏





جميع حقوق النشر محفوظة لدى مؤسسة الأهرام،و يحظر نشر أو توزيع أو طبع أى مادة دون إذن مسبق من مؤسسة الأهرام
ر

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق